غيرة الهدهد على توحيد الواحد الأحد
بسم اللــــه الرحمـــــــــن الرحيم
هذه كلمة قيمة نافعة جداً ألقاها شيخنا الفاضل الواعظ المؤثر أبو اليمان عدنان بن حسين المصقري اليماني حفظه الله ونفع به المسلمين
والتي ألقيت في مركز دار الحديث السلفية مسجد الإمام الألباني بدار السلام تنزانيا حرسها الله
وهي بعنوان :
غيرة الهدهد على توحيد الواحد الأحد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً أما بعد :
فيقول الله جل وعلا في كتابه الكريم :
(وَتَفَقَّدَ ٱلطَّیۡرَ فَقَالَ مَا لِیَ لَاۤ أَرَى ٱلۡهُدۡهُدَ أَمۡ كَانَ مِنَ ٱلۡغَاۤىِٕبِینَ)
[سورة النمل: ٢٠]
وَتَفَقَّدَ ٱلطَّیۡرَ – أي: نبي الله سليمان عليه السلام.
(فَقَالَ مَا لِیَ لَاۤ أَرَى ٱلۡهُدۡهُدَ أَمۡ كَانَ مِنَ ٱلۡغَاۤىِٕبِینَ لَأُعَذِّبَنَّهُۥ عَذَابࣰا شَدِیدًا أَوۡ لَأَا۟ذۡبَحَنَّهُۥۤ أَوۡ لَیَأۡتِیَنِّی بِسُلۡطَـٰنࣲ مُّبِینࣲ)
[سورة النمل: ٢٠-٢١]
هذا طير كان في مِلك نبي الله سليمان عليه السلام، وقد آت الله عز وجل عبده ونبيه سليمان عليه السلام ما لم يؤت أحداً بعده لأنه دعا الله :
(قَالَ رَبِّ ٱغۡفِرۡ لِی وَهَبۡ لِی مُلۡكࣰا لَّا یَنۢبَغِی لِأَحَدࣲ مِّنۢ بَعۡدِیۤۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ)
[سورة صٓ: ٣٥]
فحشر الله له جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون
(وَحُشِرَ لِسُلَیۡمَـٰنَ جُنُودُهُۥ مِنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ وَٱلطَّیۡرِ فَهُمۡ یُوزَعُونَ)
[سورة النمل: ١٧]
الذي تفقده يوماً من الأيام (وَتَفَقَّدَ ٱلطَّیۡرَ) أي: تفقد ما يملكه من الطيور فافتقد الهدهد
(فَقَالَ مَا لِیَ لَاۤ أَرَى ٱلۡهُدۡهُدَ أَمۡ كَانَ مِنَ ٱلۡغَاۤىِٕبِینَ) أي: هل أني لم أره لتقصير في بحثي ورؤيتي أم أنه هو الذي كان من الغائبين فغاب عن نظري وغاب عن مُلكي فعندها قال نبي الله سليمان :
(لَأُعَذِّبَنَّهُۥ عَذَابࣰا شَدِیدًا أَوۡ لَأَا۟ذۡبَحَنَّهُۥۤ) قال بعض المفسرين :
(لَأُعَذِّبَنَّهُۥ عَذَابࣰا شَدِیدًا) أي: لأَنْتِفَنَّ ريشه
وقال بعضهم : لأُفَرِّقَنَّ بينه وبين زوجته إذ أن التفريق بين الحبيب وحبيبه عذاب والله أعلم بالصواب
(أَوۡ لَیَأۡتِیَنِّی بِسُلۡطَـٰنࣲ مُّبِینࣲ) أي : إذا لم يأتني (بِسُلۡطَـٰنࣲ مُّبِینࣲ) أي :بحجة واضحة وعذر واضح
أخبرنا الله عز وجل بهذه القصة وهو العليم الخبير في أصدق كتاب (وَمَنۡ أَصۡدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِیثࣰا)
[سورة النساء: ٨٧]
(فَمَكَثَ غَیۡرَ بَعِیدࣲ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمۡ تُحِطۡ بِهِۦ وَجِئۡتُكَ مِن سَبَإِۭ بِنَبَإࣲ یَقِینٍ)
[سورة النمل: ٢٢]
(فَمَكَثَ غَیۡرَ بَعِیدࣲ) أي : مكث هذا الهدهد زمنا غير بعيد ثم جاء فقال لنبي الله سليمان: (فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمۡ تُحِطۡ بِهِۦ) أي : أني علمتُ شيئاً لم تعلمه أنت و (أَحَطتُ بِمَا لَمۡ تُحِطۡ بِهِۦ) أيها النبي وهذا دليل على أن نبي الله سليمان مع ما آتاه الله عز وجل من الملك والسلطان لم يكن يعلم الغيب إذ أنه لا يعلم الغيب إلا الرحيم الرحمن جل وعلا.
(وَجِئۡتُكَ مِن سَبَإِۭ بِنَبَإࣲ یَقِینٍ) أي : جئتك من بلاد سبأ بخبر ثابت أنا مستيقن منه
(إِنِّی وَجَدتُّ ٱمۡرَأَةࣰ تَمۡلِكُهُمۡ وَأُوتِیَتۡ مِن كُلِّ شَیۡءࣲ وَلَهَا عَرۡشٌ عَظِیمࣱ)
[سورة النمل: ٢٣]
يقول هذا الطير بفطرته الطيبة (إِنِّی وَجَدتُّ ٱمۡرَأَةࣰ تَمۡلِكُهُمۡ) أي : وجدتُ امرأة تملك قوم سبأ (وَأُوتِیَتۡ مِن كُلِّ شَیۡءࣲ) أي : من كل شيء يملكه الملوك، وإلا لم تؤت ملك سليمان (وَأُوتِیَتۡ مِن كُلِّ شَیۡءࣲ وَلَهَا عَرۡشٌ عَظِیمࣱ) فأنكر بقلبه أولا أن تكون هذه المرأة ملكة إذ أنه ((لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ، وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً))
ثم أنكر أعظم المنكرات وأنكر أشد المعاصي والسيئات وهو الشرك بباري البريات وخالق الأرض والسماوات :
(وَجَدتُّهَا وَقَوۡمَهَا یَسۡجُدُونَ لِلشَّمۡسِ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَزَیَّنَ لَهُمُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ أَعۡمَـٰلَهُمۡ فَصَدَّهُمۡ عَنِ ٱلسَّبِیلِ فَهُمۡ لَا یَهۡتَدُونَ)
[سورة النمل: ٢٤]
قال بعض المفسرين :
هذا الكلام لا يزال من كلام هذا الهدهد الذي جعله الله عز وجل بهذه المنزلة داعياً إلى الله مُنكِرا لهذا المنكر فأتى نبي الله سليمان بهذا القول العظيم أنكره بقلبه وبلّغ هذا المنكر من سينكره من أنبياء الله فقال :
(أَلَّا یَسۡجُدُوا۟ لِلَّهِ ٱلَّذِی یُخۡرِجُ ٱلۡخَبۡءَ فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَیَعۡلَمُ مَا تُخۡفُونَ وَمَا تُعۡلِنُونَ ٱللَّهُ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡعَظِیمِ ۩)
[سورة النمل: ٢٥-٢٦]
لا يزال كلام الهدهد (إِنِّی وَجَدتُّ ٱمۡرَأَةࣰ) تملك هؤلاء قوم سبأ
وقد سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن سبأ فقال :
((وَلَكِنَّهُ رَجُلٌ وَلَدَ عَشَرَةً مِنَ الْعَرَبِ فَتَيَامَنَ مِنْهُمْ سِتَّةٌ، وَتَشَاءَمَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ، فَأَمَّا الَّذِينَ تَشَاءَمُوا فَلَخْمٌ وَجُذَامٌ وَغَسَّانُ وَعَامِلَةُ وَأَمَّا الَّذِينَ تَيَامَنُوا فَالْأَزْدُ وَالْأَشْعَرُونَ وَحِمْيَرُ وَمَذْحِجُ وَأنْمَارُ وَكِنْدَةُ))
والحديث صحيح ذكره ابن كثير عليه رحمة الله.
وبلاد سبأ هو بلاد مأرب ولا يزال بعض عرش هذه المرأة وبقايا عرشها إلى الآن يُرى للناظرين.
وكانت قد ملِكتْ أولئك الرجال ولكن وفقها الله للإسلام بسبب هذا الهدهد الذي دعا إلى الله وأنكر الشرك بالله.
(وَجَدتُّهَا وَقَوۡمَهَا یَسۡجُدُونَ لِلشَّمۡسِ مِن دُونِ ٱللَّهِ)
وهكذا الجهل إذا طغى على بلد من البلدان وعلى أناس من الرجال حتى ولوا كانوا عقلاء ولو كانوا فهماء ولوا كانوا أذكياء ولوا كانوا أولياء فالجهل يؤدي بهم إلى الشرك بالله عز وجل والكفر بالله والبدع والأهواء – وما عصي الله بأكثر من الجهل -.
فلا تستهن عبد الله بالجهل! الجهل بريد الكفر بريد المعاصي بريد البدع بريد السيئات الجهل يحطم الدنيا والدين [وفي نعش العلم ثبات الدنيا والدين] كما قال الإمام الزهري عليه رحمه الله
وقول ابن سيرين رحمه الله :
[إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم]
كان هؤلاء الرجال أولوا قوة وألوا بأس شديد، ومن رأى إلى ذلك العرش وكيف نُحتَت حِجاره لرأى عجب العجاب.
ولكن لا تنفع القوة بلا علم ولا تنفع الرجولة بلا علم فكم من رجل ولكنه بالجهل صار خسيسًا مشركا جاهلا بربه جاهلا بنبيه جاهلا بحق نفسه وحق أهله.
فهذا الهدهد يقول: (أَلَّا یَسۡجُدُوا۟ لِلَّهِ) أي: هلا سجدوا لله لماذا يسجدون للشمس من دون الله وما ذلك إلا بسبب أعظم : (وَزَیَّنَ لَهُمُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ أَعۡمَـٰلَهُمۡ)
(فَصَدَّهُمۡ عَنِ ٱلسَّبِیلِ) أي: عن الطريق إلى الله (فَهُمۡ لَا یَهۡتَدُونَ)
فصار هذا الهدهد يعلم أنه ما صد أحد عن السبيل إلا بسبب تزيين الشيطان وأنه لا يصد أحد عن السبيل والطريق الصحيح إلا وهو مصروف عن الهداية- من زين له الشيطان عمله صُرف عن الهداية- (فَهُمۡ لَا یَهۡتَدُونَ).
ومن دفع تزيين الشيطان وتلبيس الشيطان ووساوس الشيطان هداه الله إلى السبيل الأقوم.
(أَلَّا یَسۡجُدُوا۟ لِلَّهِ ٱلَّذِی یُخۡرِجُ ٱلۡخَبۡءَ فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ)
قال بعض أهل العلم : ذكر إخراج الخبء في أن الهدهد سخّره الله لإخراج الماء من الأرض وكانوا يستخدمونه لرؤية الماء فالهدهد يعرف إخراج الخبء من الماء ويعلم بعلم الله تعالى الذي علمه أن هذا المكان فيه ماء وأن هذا المكان ليس فيه ماء.
(ٱللَّهُ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡعَظِیمِ ۩)
فعندها قال سليمان : (قَالَ سَنَنظُرُ) لم يُصدّقه ولم يُكذّبه والأصل تصديقه لكن خشي أن يكون هذا إعتذار منه حتى يسلم من تعذيب (۞ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقۡتَ أَمۡ كُنتَ مِنَ ٱلۡكَـٰذِبِینَ)
[سورة النمل: ٢٧]
(ٱذۡهَب بِّكِتَـٰبِی هَـٰذَا) اذهب برسالتي هذه وكتب كتابا وفي ذلك الكتاب :
(إِنَّهُۥ مِن سُلَیۡمَـٰنَ) إن هذا الكتاب من سليمان (وَإِنَّهُۥ بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ أَلَّا تَعۡلُوا۟ عَلَیَّ وَأۡتُونِی مُسۡلِمِینَ)
[سورة النمل: ٣٠-٣١]
وكان سليمان عليه الصلاة والسلام معروف بين الأنام أنه نبي الله الذي سخَّر الله له الجن والإنس والطير يفهم قولها ويتكلم معها بل سخَّر الله له الريح (تَجۡرِی بِأَمۡرِهِۦ رُخَاۤءً حَیۡثُ أَصَابَ وَٱلشَّیَـٰطِینَ كُلَّ بَنَّاۤءࣲ وَغَوَّاصࣲ)
[سورة ص: ٣٥-٣٦]
(وَلِسُلَیۡمَـٰنَ ٱلرِّیحَ غُدُوُّهَا شَهۡرࣱ وَرَوَاحُهَا شَهۡرࣱ)
[سورة سبأ: ١٣]
من فضل الله عليه.
فلما وصل برسالة سليمان إلى هذه المرأة التي قيل اسمها ‘بلقيس’ وصل بتلك الرسالة (قَالَتۡ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلۡمَلَؤُا۟ أَفۡتُونِی فِیۤ أَمۡرِی مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمۡرًا حَتَّىٰ تَشۡهَدُونِ)
[سورة النمل: ٣٢]
(قَالَتۡ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلۡمَلَؤُا۟ أَفۡتُونِی فِیۤ أَمۡرِی) وهكذا المرأة ناقصة عقل ودين (أَفۡتُونِی فِیۤ أَمۡرِی مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمۡرًا حَتَّىٰ تَشۡهَدُونِ)
فقالوا لها: (قَالُوا۟ نَحۡنُ أُو۟لُوا۟ قُوَّةࣲ وَأُو۟لُوا۟ بَأۡسࣲ شَدِیدࣲ وَٱلۡأَمۡرُ إِلَیۡكِ فَٱنظُرِی مَاذَا تَأۡمُرِینَ قَالَتۡ إِنَّ ٱلۡمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا۟ قَرۡیَةً أَفۡسَدُوهَا وَجَعَلُوۤا۟ أَعِزَّةَ أَهۡلِهَاۤ أَذِلَّةࣰۚ – قال الله : (وَكَذَ ٰلِكَ یَفۡعَلُونَ)
[سورة النمل: ٣٣-٣٤]
ولكن سليمان ليس مَلِك فحسب هو ملك ونبي ملَّكه الله وهو نبي فنعدها سارت بجنودها بعد أن أرسلت هدية إلى نبي الله سليمان فلما رأى الهدية غضب وظن أنها من الرشوة فأرسل إليها من يأتي بعرشها فجاءت وما وصلت إلا وعرشها موضوع عنده بفضل الله (قَالَ ٱلَّذِی عِندَهُۥ عِلۡمࣱ مِّنَ ٱلۡكِتَـٰبِ أَنَا۠ ءَاتِیكَ بِهِۦ)
[سورة النمل: ٤٠]
بعرشها كله ما بقي في مأرب إلا بعض بقايا العرش وهو يُرى إلى الآن بعض الأحجار وبقايا العرش وإلا ذلك الذي عنده علم من الكتاب قيل: هو من الإنس بعد أن قال الذي من الجن العفريت (قَالَ عِفۡرِیتࣱ مِّنَ ٱلۡجِنِّ أَنَا۠ ءَاتِیكَ بِهِۦ قَبۡلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَۖ وَإِنِّی عَلَیۡهِ لَقَوِیٌّ أَمِینࣱ قَالَ ٱلَّذِی عِندَهُۥ عِلۡمࣱ مِّنَ ٱلۡكِتَـٰبِ أَنَا۠ ءَاتِیكَ بِهِۦ قَبۡلَ أَن یَرۡتَدَّ إِلَیۡكَ طَرۡفُكَۚ)
[سورة النمل:٣٩-٤٠]
فما ارتد إليه طرفه إلا وعرشها كله موضوع بين يديه فلما رأى ذلك نبي الله سليمان ما افتخر ولا ضحك ولا أُعجِب بنفسه وبماله بمُلكه بجنوده وإنما تواضع لله (فَلَمَّا رَءَاهُ مُسۡتَقِرًّا عِندَهُۥ قَالَ هَـٰذَا مِن فَضۡلِ رَبِّی) هذا عرشها قد وصل إلي من بلاد اليمن وهو في الشام في طرفة عين هذا من فضل ربي (لِیَبۡلُوَنِیۤ ءَأَشۡكُرُ أَمۡ أَكۡفُرُ)
[سورة النمل: ٤٠]
أي طائرة الآن لو صنعوا أعظم وأفخر طائرة أو صاروخ أسرع صاروخ لابد أن يأخذ من اليمن إلى الشام ساعات ما هو ممكن أن يصل في أقل من ساعة وهذا الذي عنده علم من الكتاب بقدرة الله بقوة الله لم يأت بعرش قليل بعرشها ملابسها أتى بعرش ليس عرش، عرش وعرشها عبارة عن أحجار كبيرة ومجالس عظيمة كانت تجلس فيه ويجلس حولها عظمائها وجنودها عرش عظيم يصل إلى نبي الله سليمان في طرفة عين.
هذا يدل على قدرة ملك الوهاب جل وعلا فعندها قال سليمان بعد أن وصل العرش كما هو : (قَالَ نَكِّرُوا۟ لَهَا عَرۡشَهَا نَنظُرۡ أَتَهۡتَدِیۤ أَمۡ تَكُونُ مِنَ ٱلَّذِینَ لَا یَهۡتَدُونَ)
[سورة النمل: ٤١]
(نَكِّرُوا۟ لَهَا عَرۡشَهَا) أي: غيّروا بعض أوصافه حتى إذا رأته بلا شك تقول عرشي وعندها ستؤمن ولكن قال نكروا لها عرشها (نَنظُرۡ أَتَهۡتَدِیۤ) الهداية بمعنى هنا: المعرفة أتعرف أم أنها لا تكون من المهتدين لمعرفة عرشها (أَمۡ تَكُونُ مِنَ ٱلَّذِینَ لَا یَهۡتَدُونَ)
(فَلَمَّا جَاۤءَتۡ قِیلَ أَهَـٰكَذَا عَرۡشُكِۖ قَالَتۡ كَأَنَّهُۥ هُوَۚ -كأنه عرشي- وَأُوتِینَا ٱلۡعِلۡمَ مِن قَبۡلِهَا وَكُنَّا مُسۡلِمِینَ وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعۡبُدُ مِن دُونِ ٱللَّهِۖ إِنَّهَا كَانَتۡ مِن قَوۡمࣲ كَـٰفِرِینَ قِیلَ لَهَا ٱدۡخُلِی ٱلصَّرۡحَۖ – وكان صرحا ممردا من قوارير الماء يمشي من تحته وهو صرح عظيم فلما دخلته كشفت عن ساقيها حتى لا يصيبها الماء – فَلَمَّا رَأَتۡهُ حَسِبَتۡهُ لُجَّةࣰ وَكَشَفَتۡ عَن سَاقَیۡهَاۚ قَالَ إِنَّهُۥ صَرۡحࣱ مُّمَرَّدࣱ مِّن قَوَارِیرَۗ – فعندها – قَالَتۡ رَبِّ إِنِّی ظَلَمۡتُ نَفۡسِی- بالشرك بالله وبالكفر – وَأَسۡلَمۡتُ مَعَ سُلَیۡمَـٰنَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ)
[سورة النمل: ٤٢-٤٤]
شاهدنا وما نستفيده من هذه القصة العظيمة أولا :
أن الإنسان يجعل سفره وحضره وعمله كله دعوة إلى الله.
فهذا الهدهد الذي أنكر هذا الشرك هدى الله على يديه هذه المرأة وجنودها وصارت مع سليمان مسلمة لله رب العالمين.
وأيضاً أن الفطرة تهدي الإنسان بإنكار المنكرات وإنكار السيئات وتحسين الحسنات والدعوة إلى توحيد رب الأرض والسماوات جل وعلا.
وأيضاً نستفيد من هذه القصة العظيمة أنه مهما أوتي الإنسان من فضل من الله تعالى عليه في ماله وأهله وولده وعلمه وجماله أن هذا كله من الله وعلى العبد أن يعترف لله بالفضل ويعترف لله سبحانه وتعالى بالنعم هذا من فضل ربي
وهكذا أنبياء الله وهكذا رسل الله ما كانوا يضيفون إلى أنفسهم نعمة من النعم فلا تضف لنفسك خيراً لولا الله زكاك ولولا الله أعطاك ولولا الله أغناك ولولا الله عافاك لكنت مبتلا فقيراً ضعيفاً ربما مشركاً كافراً منافقاً فالله هو الذي هداك والله هو الذي اجتباك والله هو الذي اختارك من بين سائر الناس للإسلام واختارك من بين سائر المسلمين للسنة واختارك من بين سائر أهل السنة للعلم نعم عظيم ينبغي عليك أن تعرف قدرها وأن تعترف بالفضل لله تعالى فيها.
وفي هذه القصة نستفيد فائدة عظيمة أننا ندع الناس على قدر اتجاهاتهم كلا ندعوه بما يعقل وما يعلم ونحبِّبهم إلى العلم وإلى السنة والإسلام على قدر عقولهم.
وهذه المرأة لما كانت تحب الملك تحب الفخر وتحب هذه الأشياء ما قال لها نبي الله سليمان: أسلمي وسترجعين ذليلة حقيرة فقيرة، إذا كيف ستسلم! لكن أدخلها صرحا ممردا من قوارير، صرح عظيم كله من قوارير من زجاج وتحته الماء يمشي فلما رأته اطمأنت أنها لا تزال في نعمة وأن نبي الله سليمان سيعطيها وسيمكنها مما يجوز لها فعندها (قَالَتۡ رَبِّ إِنِّی ظَلَمۡتُ نَفۡسِی وَأَسۡلَمۡتُ مَعَ سُلَیۡمَـٰنَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ)
[سورة النمل: ٤٤]
فأسلمت لهذه الدعوة.
فبعض الناس ربما يحب الفخر ربما كان شيخا في قومه عظيماً بين أهل قريته فإذا دعوته إلى الإسلام أو إلى السنة أخبره أنه لا يزال عظيماً وأن الإسلام لا يزيد المسلم إلا عظمة ولا يزيد العزيز إلا عزة ولا يزيد الغني إلا غنا بإذنه، ولا تقل له أسلم سترجع فقيرا حقيرا لا!
وكذلك من كان يحب العلم مثلا ويحب أن يكون ذكيا وتخبره أن هناك مجالات للبحث مجالات للتعليم والإسلام والسنة فيها ما فيها من العلم
وهكذا من كان يحب العمل في مجالات تخبره أن الإسلام يحلل هذا المجال إذا كان حلالاً وإذا كان في عمل حرام تعطيه البديل تقول له هذا في ديننا إذا تمسكت بالإسلام أو إذا تمسكت بالسنة وتبت إلى الله هذا العمل حرام لكن هناك أعمال حلال هناك أعمال جائزة (ومن ترك شيئاً لله أخلفه الله خيراً منه) فلا تقطع عن الناس العمل فيما يرجونه
نسأل الله تعالى أن ينفعنا بالقرآن وبالسنة إنه على كل شيء قدير
سؤال…
أحسنتَ وهذا ذكره أهل العلم أن أهل اليمن دائماً لا يميلون إلى حرب إنما الحروب تأتيهم من خارجهم فهذه المرأة ما قالت في جنودها إذا نحارب سليمان وإنما مالت إلى الصلح ومالت إلى التفاهم معه
وكذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا وأبا موسى إلى اليمن دعوا أهل اليمن إلى الله بدون سيف
وعلي رضي الله عنه لما جاء إلى همدان فأسلموا من دون حرب فدخلوا في دين الله من دون حرب سواءا في شمال اليمن وجنوبها هذا من الحكمة والله أعلم
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
فرغها الفقير إلى اللّٰه أَبُو جُلَيْبِيب سَاجِدٌ بْنُ نَصْرٌ الدِّيْن السِّرِيلَانْكِي وفقه الله وسدده
١٥ شوال ١٤٤٢ هـ – سريلانكا
أسأل الله عز وجل أن ينفعنا بما سمعنا وأن يرزقنا علما ينفعنا
والحمد لله رب العالمين.
مرتبط