فوائد وفضائل الفاتحة
الفـــاتحـة
9) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: انْطَلَقَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا، حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ العَرَبِ، فَاسْتَضَافُوهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ، فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الحَيِّ، فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لاَ يَنْفَعُهُ شَيْءٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلاَءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَيْءٌ، فَأَتَوْهُمْ، فَقَالُوا: يَا أَيُّهَا الرَّهْطُ إِنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ، وَسَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لاَ يَنْفَعُهُ، فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَعَمْ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْقِي، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا، فَمَا أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا، فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنَ الغَنَمِ، فَانْطَلَقَ يَتْفِلُ عَلَيْهِ، وَيَقْرَأُ: الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ فَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ، فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ، قَالَ: فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمُ الَّذِي صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اقْسِمُوا، فَقَالَ الَّذِي رَقَى: لاَ تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتِيَ النَّبِيَّ ﷺ فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِي كَانَ، فَنَنْظُرَ مَا يَأْمُرُنَا، فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَذَكَرُوا لَهُ، فَقَالَ: «وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ»، ثُمَّ قَالَ: «قَدْ أَصَبْتُمْ، اقْسِمُوا، وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا» فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَالَ شُعْبَةُ: حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ، سَمِعْتُ أَبَا المُتَوَكِّلِ، بِهَذَا.
رواه الإمام البخاري رحمه الله:(3/ 92) 2276 ]. ومسلم في السلام باب جواز أخذ الأجرة على الرقية بالقرآن والأذكار رقم [2201].
قال ابن قيم الجوزية في الطب النبوي: [ص 153]
وقد قيل: إنَّ موضع الرُّقْيَة منها:﴿إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: 4]، ولا ريبَ أنَّ هاتين الكلمتين من أقوى أجزاء هذا الدواء، فإنَّ فيهما من عموم التفويض والتوكل، والالتجاء والاستعانة، والافتقارِ والطلبِ، والجمع بين أعلى الغايات، وهى عبادةُ الربِّ وحده، وأشرف الوسائل وهى الاستعانةُ به على عبادته ما ليس في غيرها، ولقد مرَّ بى وقت بمكة سَقِمْتُ فيه، وفَقَدْتُ الطبيبَ والدواء، فكنت أتعالج بها، آخذ شربةً من ماء زمزم، وأقرؤها عليها مراراً، ثم أشربه، فوجدتُ بذلك البرءَ التام، ثم صِرتُ أعتمد ذلك عند كثير من الأوجاع، فأنتفع بها غايةَ الانتفاع.
وفى تأثير الرُّقَى بالفاتحة وغيرها في علاج ذواتِ السُّموم سِرٌ بديع، فإنَّ ذواتِ السموم أثَّرت بكيفيات نفوسِها الخبيثة، كما تقدَّم، وسِلاحها حُماتها التي تلدَغُ بها، وهى لا تلدغ حتى تغضَب، فإذا غضبت، ثار فيها السُّمُّ، فتقذفه بآلتها، وقد جعل اللهُ سبحانه لكل داءٍ دواءً، ولكل شىءٍ ضِداً، ونفس الراقى تفعلُ في نفس المرقى، فيقعُ بين نفسيهما فعلٌ وانفعالٌ، كما يقع بين الداء والدواء، فتقوى نفسُ الراقى وقُوَّته بالرُّقية على ذلك الداء، فيدفعُه بإذن اللهِ، ومدارُ تأثير الأدوية والأدواء على الفعل والانفعال، وهو كما يقع بين الداء والدواء الطبيعيين، يقع بين الداء والدواء الروحانيين، والروحاني، والطبيعي، وفى النَّفْث والتَّفل استعانة بتلك الرطوبة والهواء، والنفس المباشر للرُّقية، والذِكْر والدعاء، فإنَّ الرُّقية تخرُج مِن قلب الراقي وفمه، فإذا صاحبها شىءٌ من أجزاء باطنه من الرِّيق والهواء والنَّفَس، كانت أتمَّ تأثيراً، وأقوى فعلاً ونفوذاً، ويحصُل بالازدواج بينهما كيفيةٌ مؤثرة شبيهةٌ بالكيفية الحادثة عند تركيب الأدوية.
مرتبط