الوصية بالوسطية
وصايا مهمة للفرد والمجتمع:
بسم الله الرحمن الرحيم
لا بد على كل إنسان أن يوصي نفسه أولاً، وإخوانه، ومن يلي أمره، بالتمسك بدين الله الحق، فإنه ما من أحد إلا وله مسئولية، فإقامة الدين هو التوسط الحق، وهي وصية الله للأولين والآخرين ووصية الله للرسل أجمعين.
فلذا نوصي أنفسنا وإخواننا بوصية الله للأولين والآخرين، ألا وهي تقوى الله؛ ولا تحصل التقوى للخلق إلا بالتمسك بدين الله الحق المشتمل على الوسطية، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾([1]). ونوصي بالعمل بوصية الله تعالى للمرسلين وهي إقامة الدين المشتمل على الوسطية والاعتدال، والبعد عن التذبذب والتشدد والغلو والجفاء، قال تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾([2]).
ونوصي من تبين له الحق من الجهال، ومن كان يريد الحق والهدى والتوبة من الهوى، أن يصدق مع الله في طلب الحق، وأن يجالس أهل الحق والاعتدال.
ونوصي من كان مكبلاً في الهوى، ومغرورا بالباطل، أن يبحث عن الحق، وليعلم أن الحق والنجاة في الوسطية الحق.
ونوصي أهل الوسطية أن يحمدوا الله تعالى على نعمته، وأن لا يغتروا بتوفيق الله لهم. فعين التوفيق رد النعمة إلى الله قال تعالى: ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ﴾([3])، وقال تعالى: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾([4]).
ونوصي الذين لهم تعلق بإعلام العباد ورجال الدعوة والإرشاد أن يتقوا الله في الأمة، وأن ينشروا الوسطية ومنهج أهل السنة بأقوى عزيمة وأعلى همة.
ونوصي الطلاب بوصية الله تعالى لهم: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾([5])، فسؤال أهل الذكر سبب من أسباب الهداية إلى الوسطية.
ونوصي أنفسنا وإخواننا بالدعاء، فهو من أسباب الهداية إلى الاستقامة كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي به المسافر وغيره، وأوصى عليًا أن يدعو: «اللهم اهدني وسددني».
ونوصي العلماء الذين هم مصابيح الدجى ونور الأمة ومرجعية العباد، أن يتمسكوا بالدين الحق ولا يتزحزحوا عنه، ولا يتأرجحوا في الصدع بالحق والنطق بالوسطية، فقد قال تعالى: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ﴾([6]).
ونوصي الآباء أن يتوسطوا في تربية أبنائهم، فلا يغلوا ويشدوا ولا يهملوا في تربيتهم، وقد وصى الله تعالى بهم فقال: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ﴾([7]).
ونوصي الأزواج بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالتوسط مع بعضهم، والإحسان في القول، وترك ما لا فائدة منه من الكلام، قال تعالى: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا﴾([8])، فهذه الوصية العظيمة من الله تعالى، لو عمل بها الزوجان لسلما من كثير من الشقاق الذي سببه اللسان.
وهي وصية النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، إِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا»([9]).
ونوصي أهل السنة والجماعة الذين وفقهم الله للتوسط والعدالة أن ينظروا إلى غيرهم بنظرين، نظر الشرع ونظر القدر، فبالنسبة للشرع ندعوهم ونرفق بهم فمن عاند نتعامل معه بالتعامل الشرعي من هجر أو تحذير بكل عدل وتوسط، على قدر علمه بالحق وجهله، وعلى قدر عناده وبعده، وبالنسبة للقدر والإرادة الكونية ننظر إليهم بنظر الرحمة، لأنهم حرموا السعادة والحياة الطيبة الوسطية فنشفق عليهم ونسأل الله لهم الهداية.
ونوصي الأبناء بالطاعة والبر لآبائهم والاحسان معهم ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
ونوصي الرعية بالاعتدال في طاعة ولاة الأمور وهي الطاعة بالمعروف والبر والخير، والنصح والدعاء لهم، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
ونوصي الأمة بالتوسط في التقدم وقبول الاختراعات والصناعات، وأن يأخذوا منها ما يعينهم على طاعة الله ومباح الأمور، وأن يتقوا الله في الحرامـ فالورع هو ترك الشبهات وسبل الشهوات.
([1]) (سورة النساء: 131).
([2]) (سورة الشورى: 13).
([3]) (سورة الأعراف: 43).
([4]) (سورة النحل: 53).
([5]) (سورة النحل: 43).
([6]) (سورة الحجر: 94).
([7]) (سورة النساء: 11).
([8]) (سورة الإسراء: 53).
([9]) «صحيح البخاري» (3331)، و«صحيح مسلم» (1468)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
مرتبط