منظومة وصف العالم الأَبيِّ
والاعتزاز بالعلم وسموّ الهمة
- يَقُولونَ لِيْ فِيْكَ انْقِبَاضٌ وَإِنَّما
رَأَوْا رَجلاً عَنْ مَوْقِفِ الذُّلِّ أَحْجَمَا
- أَرَى النَّاسَ مَن دَانَاهُمُ هَانَ عِنْدَهمْ
وَمَنْ أَكْرَمَتْهُ عِزَّةُ النَّفْسِ أُكْرِمَا
- وَلَمْ أَقْضِ حَقَّ العِلْمِ إِنْ كنت كُلَّمَا
بَدَا طَمَعٌ صَيَّرْتُهُ لِيَ سُلَّمَا
- وما زلتُ مُنحازًا بعرضي جانبا
عن الذل أعتَدُّ الصيانةَ مَغنَما
- إذا قِيلَ: هذا مَنْهَلٌ قُلْتُ قَدْ أَرَى
وَلكِنَّ نَفْسَ الحُرِّ تَحْتَمِلُ الظَّمَا
- أُنَزِّهُهَا عَنْ بَعْضِ مَا لَا يُشِينُهَا
مخافةَ أقوالِ العِدا فيمَ أو لِـمَا؟
- فأُصبحُ عن عيْب اللئيم مُسَلَّما
وقد رحتُ في نفسِ الكريم معظَّما
- وإنِّي إذا ما فاتني الأمرُ لمْ أبِتْ
أُقَلِّبُ كفِّي إِثْرَهُ مُتَنَدِّمَا
- وَلَكِنَّهُ إنْ جَاءَ عَفْوًا قَبِلْتُهُ
وَإِنْ مَالَ لَـمْ أُتْبِعْهُ هَلَّا وَلَيْتَـمَا
- وأقبض خَطوْي عن حظوظٍ كثيرةٍ
إِذَا لَمْ أَنَلْهَا وَافِرَ العِرْض مُكْرَما
- وأُكرِم نفـسي أن أُضاحِك عابسًا
وأن أَتلقَّى بالمديح مُذَمَّما
- وكم طالبٍ رِقِّي بنُعْماه لم يصل
إليه وإن كان الرئيسَ المعَظِّما
- وكم نعمةٍ كانت على الحُر نقمةً
وكم مغنمٍ يعتَدُّه الحرُّ مَغرما
- ولم أبتذِل في خدمة العلم مهجتي
لأخدِم من لاقيت لكن لأُخْدَما
- أأشقى به غَرْسًا وأجنيه ذِلةً
إذا فاتباعُ الجهلِ قد كان أحزَما
- وإني لراضٍ عن فتًى متعففٍ
يروح ويغدو ليس يملك درهمًا
- يبيتُ يراعِي النجمَ من سوءِ حالِه
ويصبحُ طَلْقا ضاحكا متبسما
- ولا يسأل المُثْرين ما بأكفِّهم
ولو ماتَ جُوعا عِفَّةً وتكرُّما
- فإن قلت: «زَندُ العِلمِ كابٍ»، فإنما
كبا حين لم نَحرُسْ حِماهُ وأظلَما
- ولو أنّ أهلَ العلمِ صانوه صانهم
ولو عظَّموه في النفوسِ لعظما
- ولكن أهانوهُ فهانوا ودنَّسوا
مُحَيَّاهُ بالأطماع حتى تجَهَّما
- وما كُل بَرْقٍ لاحَ لي يستفِزني
ولا كل مَن لاقَيتُ أرضاه مُنعِما
- ولكن إذا ما اضطرني الضُّـر لم أبت
أقلبُ فكري مُنْجِدًا ثم مُتْهِما
- إلى أن أرى ما لا أَغصُّ بذِكْره
إذا قلتُ قد أسْدى إليَّ وأنعَما